كيف بني محمد صلي الله عليه وسلم الأمة الإسلامية؟!

علي توالي الزمان تظل شخصية نبي الإسلام صلي الله عليه وسلم زاداً لطالبي القيادة الرشيدة ومداداً لمن أراد أن يبني دولة علي الحق والحق لايزول وسيظل صلي الله عليه وسلم نبراساً يهتدي به كل من رام الصلاح والفلاح فإنه عليه الصلاة والسلام مدرسة في القيادة والريادة والتنظيم والتخطيط والتفكير والتدبير الذي يحمل عناصر النجاح فإن عناية الله دائماً معه تسدد خطاه وتبارك مسعاه. فحري بنا نحن المسلمين أن نأخذ العبرة من حياة خير الأنام وإمام الأنبياء وصفوة الخلق محمد صلي الله عليه وسلم فقد أصبحنا في أمس الحاجة إلي الأخذ بتعاليمه في هذا الزمان الذي أصبحت فيه المحن تطحن بالمسلمين والخطوب ليست تلوح بل هي تمطر علينا منذرة متوعدة ما لم نرجع إلي أصول ديننا الحنيف.
ونحن كذلك فلنتساءل أكان يدور بخلد أحد يعرف سكان الجزيرة العربية في القرن السادس الميلادي أن هذه الجزيرة ستحكم الدنيا يوماً من الأيام؟
أكان يدور بخلد أحد أن هؤلاء الشراذم والأوزاع سيحاربون دولة الأكاسرة ودولة القياصرة فيرثون ملكهم وأرضهم وديارهم؟ أكان يدور بخلد أحد أن هذه القبائل العربية وهي متحاربة متنابذة يجمع الله بينها ووحد رأيها ويؤلف بين قلوبها حتي تصير كتلة واحدة تأخذ مكانها في الوجود رغم العقبات والنكبات والسدود والحوائل؟ أكان يدور بخلد أحد أن هذه العقائد الفاسدة والنحل الباطلة وعبادة الأوثان والأصنام والخضوع للعرافين والكهان تطهر منها نفوسهم وتحل محلها عقائد صحيحة وتحل حقه عليها جلال الحسن ونور العلم؟
نعم إن كان هذا وفي أقل من قرن من الزمان وكان علي محمد بن عبدالله عبدالمطلب الهاشمي القرشي وهذه وهي العجيبة الأخري فهل كان يدور بخلد أحد أن هذا اليتيم الذي فقد أبويه وخرج إلي الدنيا دون معين يعضه ولا ناصر ينصره لم يتعلم لعلمه ولم تثقفه جامعة يقوم بهذا العمل العظيم ويأتي بهذا الأمر الجسيم؟ هذه حكمة الله وهذا قضاؤه وهو أعلم حيث تجعل رسالته إننا إذا درسنا أسباب نهوض الأمة العربية وجدناها كثيرة أهمها أن محمداً أهداه الله إلي أن يغرس في قلوبهم الإيمان ويزينه في قلوبهم وآمنوا بالله وبأنبيائه ورسله وباليوم الآخر الذي يجزي فيه المرء بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر فوصل حياتهم الأخري بحياتهم الدنيا وجعلها امتداداً لها وبذلك ربي فيهم الضمير الديني الذي يدفع إلي عمل الخير ويبعد عن عمل الشر وباعد بينهم ومن حب الحياة وكراهية الموت فكانت اللبنات التي تتكون منها الأمة لبنات قوية متينة ثم رأي أن الأمة العربية أكلها التعصب القبلي والحروب فوحد بينها وألف بين قلوبها وأبدلهم من هذه العصبية الضيقة عصبية أوسع ليست للدم والجنس وإنما هي للحق والخير وهي عصبية الإسلام وبذلك كونهم مجتمعاً قوياً يثب للحدثان ولا يصرعه الزمان ثم رباهم تربية قوت نفوسهم وأدخلت فيهم العزة والكرامة فأراهم بحق حقيقة أنفسهم وهي أنهم خير أمة أخرجت للناس.